قراءة في كتاب “ النص و السلطة و الحقيقة … ارادة المعرفة و ارادة الهيمنة “ لنصر حامد ابو زيد …
مرة اخرى اجد نفسي امام كتاب يصعب تلخيص افكاره او مناقشتها في مقال بسيط للقارئ بسيط مثلي. فكتاب الاستاذ نصر ابو زيد الذي بين يدي و هو خامس كتاب اقرئه لهذا المفكر الفذ هو مجموعة من الدراسات نشر بعضها في مجلات علمية سابقة و دراساتين كتبتا لهذا الكتاب بذات. و الحقيقية ان كل دراسة من تلك الدراسات تتطلب مقال بل دراسة قائمة بحد ذاتها و لذلك فان ما سأقدمه هنا هو عباره عن رؤوس اقلام بسيطة احاول من خلالها تسليط ضوء بسيط على ما بعض ما كتبه الاستاذ ابو زيد متمنيا في الوقت نفسه ان تكون تلك العناوين حافز لمن سيقرأها في البحث اكثر عن الانتاج المعرفي الضخم للاستاذ نصر حامد ابوزيد.
ينقسم الكتاب الي ست فصول تبدا بتمهيد يمكن اعتباره دراسة بحد ذاتها و فيها يراجع الاستاذ بصورة نقدية الخطاب النهضة ، ينتقل بعدها في الفصل الاول الى تناول اشكالية تاريخة النص الديني ، في الفصل الثاني من الكتاب يدرس الكاتب اشكالية اهمال السياق في تكوين الخطاب الديني ، في الفصول الثالث و الرابع من الكتاب يقدم الباحث دراسة في اشكاليات التاؤيل و المجاز في قراءة النص الديني و اخيرا في الفصل الخامس و الاخير يقدم الكاتب دراسة ممتعة و جديدة حول القران بعنوان “ القران: العالم بوصفة علامة ”.
كما اسلفت يبدا الكتاب بدارسة و تحليل ازمة خطاب النهضة الذي بدا مع رحلة رفاعة رافعة الطهطاوي الي فرنسا بمرورا بالافغاني فمحمد عبده وتلميذه طه حسين و منتهيا مع خطاب حسن حنفي و الدكتور محمد شحرور. يبدا الكاتب بتقديم دارسته بتقدم موجز حول تطور التراث و الثقافة العربية الذي تحولت في مرحلة ما من مراحلها الى تراث ديني فقط موجزا في الوقت نفسه مراحل تطور التراث الديني نفسه التي يشهد في بدايتة صراع بين اهل الرأي و اهل الحديث للينتهي هذا الصراع ، الذي يعتبره الكاتب صراع على تكوين التراث العربي و الثقافة الجمعية للامه، لصالح اهل الحديث. ينتهي الكاتب في دراسته هذه الا ان احد اهم اسباب اخفاق الخطاب النهضوي ام الخطاب الرديكالي السلفي انه كان منشغلا بشكل اساسي بمجابهة خطاب الاخر الاوربي الامر الذي مما جعله يولد ـ حسب الكاتب ـ روؤيه تلفيقة في قراءة التراث العربي الاسلامي ، و مما ادى الى اهمال و استبعاد بل و تحريم طرح الكثير من “ الاسئلة حول طبيعة الخطاب الالهي و دلالته ”.
ينتقل الكاتب في الفصل الاول من الكتاب الى موضوع من اكثر المواضيع حساسية في التراث الاسلامي و هي تاريخية الخطاب الالهي مكون نظريته من خلال تفكيك مبدا فكرة ازلية النص الالهي السلفية حيث يتخذ من مفهوم “ خلق القران “ المعتزلي مبدا لابطال القول بقدم او ازلية الخطاب الديني “ من اخطر تلك الافكار الراسخة و المهيمنة و التي صارت بسبب قدمها و رسوخها جزء من العقيدة فكرة ان القران الكريم … نص قديم ازلي و هو صفة من صفات الذات الالهية … وقد ذهب المعتزله الى ان القران محدث مخلوق ، فالقران كلام الله و الكلام فعل و ليس صفة ، فهو في هذه الحالة ينتمي الي صفات الافعال و لا ينتمي الي مجال صفات الذات “ ليدرجا بعد ذلك كل التصورات حول اللوح المحفوظ و الكلام المكتوب فيه و الحروف التي تبلغ احجام الجبال في خانة المجاز و الاسطورة كمواضيع الكرسي و العرش. بعد تثبيت فكره تاريخية النص الديني ينتقل الكتاب في الفصل الثاني الى اشكالية اخرى و هي السياق اللغوي و الثقافي للنص الالهي حيث يقدم دراسة نقدية لنزعة نحو تقديم قرأة للنص القراني خارج سياقه “ التاريخي / و الثقافي و اللغوي “ .
يصبح الكتاب في فصلية الثالث و الرابع موجها اكثر للقارئ المتخصص في العلوم اللغوية و لذلك واجهتني بعض الصعوبات في الالمام بجميع الافكار التي حملها هذان الفصلان على ان الخلاصة هي دراسة التأويل و المجاز في التراث الديني ثم اثرهما على الخطاب الديني الذي يقرر الكاتب انه يحاول انتزاع النص من سياقه التاريخي و الثقافي و اللغوي و اسقاط افكاره المسبقة و الايدلوجية فيه في محاولة منه للهينمة على النص الديني و من خلاله الهيمنة على العقل العربي و مستقبل هذه الامه. اخيرا كما اسلفت يقدم الكاتب في الفصل الاخير دراسة بعنوان “ اللغة الدينية : العالم بوصفة علامة “ الذي “ يحاول فيها الكاتب اعادة النص الديني الي سياقة اللغوي و الثقافي و “ ينطلق الكاتب فيه من فرضية ان اللغة الدينية نسق من النظام اللغوي ، لكنه النسق الذي يحاول ان يفرض هينمته و سيطرته على النظام اللغوي “.
بالنسبة لي كانت فصول التمهيد و الاول و الثاني الاقرب الي كقاريء محدود الاطلاع في مواضيع اللغة و المجاز ، الدلالة ووجدتها قريب الى نفسي و مجالي المعرفي خصوصا دراسة التمهيد التي قدمت دراسة تاريخية للتراث و تأثيره على خطاب النهضة موضحا الاسباب التي ادت الى انهزام هذا الخطاب و ضمحلاله في مقابل سيطرة تامة نشهدها الان للخطاب السلفي الذي اعتبره شخصيا السبب الرئيسي للنكبات العربية المتكرره و فشل المجتمع العربي في انتاج الدولة الديموقراطية العادلة و الحديثة. علي انه هذا لا ينقص بطبيعة الحال من اهمية الفصول الاخري بل لعلها تكون اهم من التمهيد و الفصول الاولى.
اخيرا يلزم القول بأن ما كتبته مجرد طرح للعناوين الكتاب فقط و لا يلم بالافكار الشيقة و المثيرة للتسائل و الاهتمام التي يطرحها الكاتب في دراسته الخمس ، انه نصر حامد ابو زيد كما عودني المفكر المجدد و الجريء الذي لا يخشى طرق بل اقتحام و انتقاد الابواب و المناطق المحرمة من ثقافتنا و تراثنا الديني.
الكتاب بين يدي هي الطبعة السادسة عن المركز الثقافي العربي و تقع ٢٨٧ صفحة …
تقيمي الشخصي : لا يوجد
مر ٩٧ يوما و٢٠ كتبا ، القادم هو رواية مائة عام من العزلة للروائي الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز و ترجمة المترجم الفلسطيني صالح علماني.
ملاحظة : الاخطاء الاملائية الواردة سببها عدم وجود مصصح في البرنامج الذي استخدمه للكتابه و لذلك اطلب العذر مسبقا
تعليقات
إرسال تعليق