قراءة لرواية الوصايا لعادل عصمت
انتهيت قبل أيام من قراءة رواية الوصايا للروائي المصري عادل عصمت و هي الرواية الثانية التي اخترتها من القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية البوكر لهذا العام ، و كان أول وصف تبادر إلى ذهني و أنا أجيب أحد الأصدقاء عن انطباعي عن الرواية أنها عادية تقليدية إلى حد كبير و رغم أني لم أنفر منها أثناء قراءتها إلا أنها لم تترك في نفسي أي شعور اتجاهها أو اتجاه أي من شخصياتها المتعددة في النهاية، و لعلي لن أتذكر عنوان الرواية أو كاتبها أو أي من شخصياتها بعد شهر أو شهرين إذا سألت عنها. هذا لا يعني بطبيعة الحال أن الرواية سيئة أو منفرة على العكس إلا أنها بالتأكيد ليست مما يترك أي أثر في الذاكرة أو في النفس ـ ذاكرتي أقصد هنا.
يحاول الكاتب عادل عصمت من خلال موضوع الوصايا أن يخرج الرواية من طابعها التقليدي لقصة ملحمية حول تاريخ أسرة مصرية خلال مائة عام، تبدأ في بداية القرن العشرين و تنتهي في بداية القرن الحالي ، فالرواية تبدأ في ١٩٧٨ عندما يقف الحفيد راوي الحكاية أمام سرير جده العجوز المريض الذي يعيش لحظاته الأخيرة فيقدم هذا الأخير في لحظاته الاخيرة مجموعة من الوصايا ـ عشر ـ لحفيده الساقط الذي خذله. أمام كل وصية تسرد حكاية الجد عبدالرحمن و عائلة سليم خلال المائة عام بدءا من خسارتهم الأرض بسبب الديون التي تراكمت على والد الجد ، إلى إعادة الأرض و تكوين الأسرة الكبيرة، وصولا إلى ترك الأحفاد الأثر العظيم و تشتتهم في الأمصار بعيدا عن أرض الجد التي كرس حياته كلها في المحافظة عليها.
تحاول القصة من خلال سرد تاريخ تلك العائلة تقديم صورة للتحولات الكبرى التي شهدها الريف المصري في القرن الماضي ، و تنجح بصورة جميلة في تقديم الحياة اليومية البسيطة للريفي المصري و القيم و المبادئ التي يعيش عليها. إلا أن الكاتب يفشل حسب تصوري في الخروج من الصورة التقليدية للشيخ الحكيم العاقل الذي يعيش مرحلة تحولات كبرى فيحاول بكل ما استطاع من قوة مقاومة التغيرات التي تعصف به و تخالف كل ما يأمن به و يفشل في فهم أبنائه و أهله الذين يبتعدون عنه ليبقى وحيدا في نهاية المطاف. باختصار تقدم الرواية الصورة التقليدية لصراع بين جيل متمسك بالأرض والفلاحة و جيل جديد يرغب في الخروج من عباءة التقليد.
لا تتميز الرواية في لغتها بتاتا و رغم بعض الصور الجمالية هنا و هناك إلا أن المبالغة في الوصف و الإسهاب فقط لمجرد الوصف و محاولة خلق تصويرات جمالية دون أن تضيف جديدا على النص أفقدت النص شيئا من روحه وأخرجتني من تدفق الأحداث ، فقد وجدت نفسي في كثير من الأحيان أتخيل الكاتب أمام أوراقه و يحاول ملأ السطور بهذا التعبير معتقدا بذلك أنه يبهر قرّاءه فيحسن من نصه وهو أمر أبعد ما يكون عن الحقيقة بالنسبة لي على الأقل.
في نهاية الرواية يقدم الكاتب فصلا جديدا بدا خارجا في السياق و اللغة و الشخصيات عن الإطار العام للرواية حيث يعود الكاتب إلى الألفية الجديدة و يستنطق الحفيد الذي استمع لقصة الجد ووصاياه ليسرد بقية حكاية العائلة و هي زيادة جاءت مشوهة و لم تضف أي جديد فما كنا نعرفه عن مصير العائلة و تشتتها كان واضحا في نهاية الوصية العاشرة . بدا لي أن الكاتب كتب رواية أجيال في البداية بطلها الجد ثم وجد في النهاية أن نصه تقليدي ربما و لا يخرج عن المعتاد فأضاف موضوع الوصايا العشر و أضاف شخصية الحفيد الخارجة عن السياق فيما اعتقد فلم يستثمر فيها الكاتب طوال الرواية حتى جاءت مع شخصية مثل العمه مبتوره في النهاية ، فكانت ـ أي شخصية الحفيد ـ مجرد أداة لتحريك الرواية بدت لي جديدة في البداية الا انها لم تستثمر ابدا ، اضف الى ذلك بعض العلاقات الغير مببره تتبريرا منطقيا و القرارت المتناقضة الكثيرة التي تتخذها بعض الشخصيات الأمر الذي جعل الرواية تبدو في كثير من الأحيان مشتته ذكرتني بمشاهدة فيلم قام المنتجين فيه بالإشراف على مونتاجه فجاء مبتورا فاعتبار المال و رغبة الجمهور تغلب على الاعتبارات الفنية للمخرج و كاتب النص.
تقع الرواية في ٢٩٤ صفحة ، بين يدي طبعة إصدار الكتب خان للنشر الطبعة الاولى ٢٠١٨.
القادم رواية شمس بيضاء باردة للكفى الزغبي .
تقيمي الشخصي: ٦.٥/١٠
تعليقات
إرسال تعليق