الرواية الفائزة بالبوكر العربي 2019 : قراءة لرواية بريد الليل للكاتبة اللبنانية هدى بركات





لعل من يعرفني من الأصدقاء يدرك شغفي بجائزة البوكر للرواية العربية و الروايات الفائزة و المرشحة فيها و لعل معظم اختياراتي من روايات المعاصرة نابعة إما من قائمتها الطويلة أو القصيرة ، إلا ان السنة الماضية كانت بحق سنة مخيبة جدا للآمال فالروايات الخمس التي قرأتها من القائمة القصيرة سواء الرواية الفائزة “ حرب الكلب الثانية ” أو تلك المترشحة كانت سيئة جدا to say the least - باستثناء “ حارس الشواهد “ ربما- فلا الخيال المحدود استهواني في حرب الكلب الثانية و لا المعالجة السطحية كانت بحجم القضايا المتناولة في روايتي “ زهور تأكلها النار” و “ ساعة بغداد” ،  اما رواية “ خائفون “ العنصرية المقيته فلا تستحق النشر لتستحق اي ترشيح . كل هذا جعلني استقبل ترشيحات هذا العام ببعض البرود و مع ذلك فقد اقتنيت في النهاية الروايات الست المرشحة للقائمة القصيرة أملا أن يكون هذا العام أفضل بكثير مما سبقه، ويمكنني من خلال الرواية الأولى التي قرأتها القول أني كسبت الرهان بعض الشيء ،  فعلى الرغم من أن رواية “ بريد الليل “ قد تكون أقل مستوى من كثير من الروايات التي سبقت الترشح للجائزة في السنوات السابقة إلا أنها بحق أفضل من تلك الروايات الخمس التي ترشحت أو فازت بالجائزة العام الماضي مجتمعة. 

رواية بريد الليل و التي يمكن القول أنها مجموعة قصصية ذات وحدة موضوعية او نوفلا قصيرة اكثر من كونها رواية متكاملة هي باختصار عبارة عن خمس رسائل لا تصل إلى وجهتها بل لعلها باستثناء الأخيرة لم تكتب لتصل إلى وجهتها، يرسلها مجموعة مختلفة من الأشخاص تجمع بينهم ع اختلاف أجناسهم و بلدانهم و الأحداث التي مروا بها، الوحدة و الاغتراب و الظلم الذي لحق بهم و البؤس الذي عاشوه في حياتهم، هم ضحايا أنفسهم أولا إلا أنهم ضحايا مجتمعاتهم التي قدموا منها و عاشوا فيها وضحايا بلدان المجهر التي استقبلتهم هم باختصار ضحايا السياسة و الحروب و الدين و العادات و التقاليد و الفقر و الفاقة، هم ضحايا هذا العالم الذي يدعي التحضر و مع ذلك يصمت عن الظلم الذي يلف كل شيء على ظهر المعمورة. 

كما يوحي عنوان الرواية بريد الليل ، فالليل هنا إيحاء بالخفاء و السرية ، فالرسائل عبارة عن اعترافات كتبها أصحابها في أكثر لحظاتهم ضعفا ضمنوها و بصراحة مشاعرهم و كل ما مروا به في حياتهم حتى أوصلتهم إلى تلك النقطة من الضعف و البؤس و اليأس و الوحدة. تمكّن هدى بركات - بحرفية جميلة- قارئها من خلال تلك الرسائل القصيرة التي تركها أصحابها الغوص في أعماق تلك الشخصيات البائسة و تكوين نوع من التعاطف والصلة مع قضايهم و حياتهم بالرغم أنك تجهل عنهم الكثير حتى اسمائهم. تعالج الكاتبة في روايتها و من خلال شخصياتها الكثير من القضايا الاجتماعية و السياسية و الدينية و تقتحم بكل جرأة عوالم خفية يقل الحديث عنها بالأدب العربي. تقدم هدى بركات رسائلها بكل سلاسة و من دون اقحام، فعلى الرغم من تعدد المواضيع إلا أن اختيار أسلوب الرسائل أو فنلقل القصص القصيرة أعطى الروائية مساحة مكنتها من تكمين عدد من القضايا دون إشعار القارئ بفجاجة الإقحام. 

علي الجانب الآخر تفشل الكاتبة في محاولتها الربط بين الشخصيات المختلفة من خلال وقوع رسائل الشخصيات في أيدي بعضهم البعض و جعلها المنطلق و الدافع الذي يدفع الشخصية الجديدة لبدأ كتابة رسالتها ، وجدت في هذه الطريقة و تكرارها إقحاما لا مبرر و محاولة فاشلة للربط المادي بين هذه الشخصيات. بالاضافة إلى ذلك فقد أخذت الكاتبة في بداية كل رسالة جديدة على عاتقها محاولة تشريح الرسالة السابقة و بحث معانيها التي قد تخفى على القارئ و هو أسلوب لا أحبه أبدا و تعبير عن عدم ثقة الكاتبة في قرّائها فتقوم بطرح الأسئلة و اعطى اجوبتها على مثل الخباز الذي يطبخ الكعكة ليأكلها في النهاية. 

تفشل الكاتبة ايضا من وجهة نظري -التي اعرف حجمها الصغيرـ في خلق اصوات متعددة لشخوصها فرغم تعدد الشخوص و اختلافهم الكبير الا ان الرسائل كتبت باللغة و الاسلوب نفسه مع محاولات واضحة و خارجة عن السياق و الاسلوب العام للرسائل لاعطاء الشخصيات صوتها الخاص. اخيرا لم ترقني بتاتا الفصلين الثاني و الثالث من الرواية و التي ارادت من خلالها الكاتبه اعطى نوع من التتمه و الاختتام الذي لا مبرر له فأنا لم اكن مهتما حقيقة بمعرفة الجانب الاخر من القصة و لم يضف لي ما عرفته اي شيء و لم يقدم اي جديد بالنسبة لشخصيات الرواية الرئيسية ، يبدو لي انها ايضا كتبت لعدم ثقة الكاتبه في قارئها العربي لعله كان افضل لنص الاطالة ربما في الرسائل مع تقديم قرائه اعمق للشخصيات التي عني بها القارئ. 

اجمالا الرواية جميلة و جديدة في الاسلوب و اللغة المعاصرة التي كتبت بها و المواضيع التي طرحتها ، الا اني لا يمكنني احسم فيما كانت تستحق الوصول الى القائمة القصيرة الا انه يمكنني القول انها بالتأكيد لا تستحق الفوز الا اذا كانت باقي الروايات المترشحة بنفس مستوى روايات العام الماضي.

تقيمي الشخصي: ٧/١٠ تقع الرواية ١٢٦ صفحة ، من اصدار دار الاداب.  



حمود السعدي 

لمتابعة الجديد ارجو فتح حساب الأنستجرام: hamoodalsaadi

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قراءة للمجموعة القصصية أكابر لميخائيل نعيمة

قراءة لرواية خان الخليلي لنجيب محفوظ

قراءة لمسرحية "السلطان الحائر" لتوفيق الحكيم