قراءة لرواية ام سعد للكاتب الفلسطيني غسان كنفاني
تنتمي رواية “ ام سعد “ للادب الفلسطيني الثوري و التي شهدت النقله من المرثيات و البكائيات على الجنة المسلوبة قبل هزيمة حزيران عام ١٩٦٧ الى ادب المقاومة و الثورة و انتزاع الحق المسلوب مع الانطلاقه المدوية للمقاومة الفلسطينية بعد معركة الكرامة. تتقاطع افكار رواية ام سعد مع تلك الافكار التي طرحها غسان كنفاني في روايته الرائعة عائد الى حيفا في الدعوة الى ترك التباكي على الماضي ، و انتظار الحلول السحرية من الخارج و التوجه الى صنع المستقبل بالسواعد الابناء و انتزاع الحق المسلوب بالنار و الدماء .
تتنهي رواية “ عائد الي حيفا “ عند ادراك بطلها و هو خارج من بيته القديم هذه الحقيقة ، اما رواية ام سعد فتبدأ بادرك ابطالها هذه الحقيقة بعد نكبة ٦٧ و تأخذ قارئها في رحلة التحول الكبير للشعب الفلسطيني من مجتمع الهجرة و الحرمان الى مجتمع الثورة. على انه و على الخلاف من روايات غسان كنفاني “ رجال في الشمس “ و “ عائد الي حيفا “ ، تظهر شخصية غسان كنفاني الماركسية بقوة في هذه الرواية حيث تسلط الرواية الضوء على الطبقة المسحوقة من المجتمع الفلسطيني و الذي دفعت الثمن الاكبر خلال الدفاع عن الارض المنكوبة عام ٤٨ ، كما دفعت الثمن الاكبر في ايام الهجرة و المخيم ، و تأتي الان لتدفع الثمن الاكبر في رحلة المقاومة و الثورة. بالاضافة الى ذلك تغلب المباشرة في رواية ام سعد فليست هناك الرموز الكبيرة التي تقوم عليها روايات “عائد الي حيفا “ و “ رجال في الشمس “ على ان هذا ليس بالامر السلبي لانه منسجم مع موضوع الرواية و الموقف الذي كتبت فيه و هذا بالطبع لا يعني غياب الرمز كليا من الرواية فهناك عود العنب الجاف و الرصاصة التي اصبحت حجاب لام سعد.
تقدم الرواية قصة الانقلاب في حياة ام سعد المهجرة التي تعيش الضنك و الحرمان في مخيات اللجوء الفلسطيني في احدى البلدان العربية و تعمل خادمة في المنازل و البيارات بعد قيام الثورة الفلسطينية كردة فعل على هزيمة حزيران عام ١٩٦٧ ، حين يقرر ابنها سعد اقتحام الحدود فلسطين المحتلة فيمنعه حراس الحدود ، ليقرر بعدها الالتحاق بالفدائين. تبدا احداث الرواية عند لحظة الخيبة الكبرى مع هزيمة ١٩٦٧عندما تظهر ام سعد امام منزل الرواي ـ و هو الفلسطيني المثقف الذي يعيش خارج المخيم وتعمل ام سعد في منزله - حاملة عودا يابس من العنب تريد ان تزرعه في حديقة منزلة. تحكي ام سعد للمثقف رواي الحكاية عن خبر اعتقال ابنها سعد بعد فشل محاولة تسلله للحدود الفلسطينية المحتلة ، ثم تعلمه مفتخرة بأنه قرر بعد خروجه ان لا يعود الى المخيم حيث سيلتحق بالفدائيين و يقوم بعمليات في فلسطين المحتلة.
تتحرك الرواية لتضع القارئ اولا امام حياة الشقاء و القسوة التي يعيشها اهل المخيم بشكل عام و ام سعد بشكل خاص ، ثم الى الانتقال التدريجي و التغيرات الذي تشهدها ام سعد و عائلتها بل و المخيم بالكامل بعد ان يصبح شبابهم فدائيين يحملون البندقية و يحاربون العدو ، فأم سعد مثلا تستبدل الحجاب الذي تعلقه على صدرها و الذي حملته منذ كانت في العاشرة بحجاب اخر هو رصاصة من الرصاصات التي تركها سعد في احدى زياراته للمخيم. و ابو سعد الذي كان ضيق الصدر بكل ما حوله اصبح اكثر ليونة بعد ان شهد التغيرات في مجتمع المخيم بعد الثورة الفلسطينية تقول ام السعد لرواي في احد المشاهد محللة التغيرات التي مر بها زوجها قائلة:
“ الفقر يا ابن العم الفقر … الفقر يجعل الملاك شيطانا و يجعل الشيطان ملاكا، و ما كان بوسع ابو سعد ان يفعل غير ان يترك خلقة يطلع و يفشه بالناس و بي و بخيالة ؟ كان أبو سعد مدعوسا ، مدعوسا بالفقر ، و مدعوسا بالمقاهرة ، و مدعوسا بكرت الإعاشة ، و مدعوسا تحت سقف الزينكو ، و مدعوسا تحت بسطار الدولة … فماذا كان بوسعه ان يفعل ؟ ذهاب سعد رد له شيء من روحه و تحسن يومها قليلا، و حين راى سعد تحسن أكثر ، أكثر بكثير . راى المخيم غير شكل ، رفع رأسه ، صار يشوف … “
اخيرا تنتهي الرواية و على الخلاف من روايتي “ رجال في الشمس “ و “ عائد الى حيفا ” بلمحة امل جميلة، ففرع العنب اليابس التي زرعته ام سعد في حديقة الرواي في بداية الرواية و التي اعتقد الرواي انه يتسحيل ان تنبت شيء لشدة يباسها برعمت في نهاية الرواية “ و خطوت نحو الباب حيث كانت ام سعد منكبة فوق التراب، حيث غرست- منذ زمن بدا لي في تلك اللحظة سحيق البعد - تلك العود البنية اليابسة التي حملتها إلي ذات صباح، تنظر إلى رأس أخضر كان يشق التراب بعنفوان له صوت “. بهذه الكلمات المعبرة ينهي غسان كنفاني روايته القصيرة أم سعد و رغم انها بالتأكيد - من وجهة نظري الصغيرة - ليست بروعة رواياته “ رجال في الشمس “ و “ عائد الى حيفا “ الا انها تبقى مع ذلك ككل اعمال الكاتب الكبير علامة مميزة في الادب الفلسطيني و العربي.
الرواية بطبعتها الجديدة نشرت عن دار منشورات رمال بالتعاون مع مؤسسة غسان كنفاني الثقافية ضمن مشروهم لإعادة نشر كتابات الاستاذ غسان كنفاني، ٢٠١٣م . تقع الرواية في ٧٦ صفحة.
تقيمي الشخصي: ١٠/٨.٥
مر٢٣١ يوما و ٤٣ كتابا ، القادم هو المجموعة القصصية “ الجريمة “ لنجيب محفوظ.
حمود السعدي
للمزيد ارجو فتح حساب الأنستجرام: hamoodalsaadi@
حمود السعدي
للمزيد ارجو فتح حساب الأنستجرام: hamoodalsaadi@
تعليقات
إرسال تعليق