المشاركات

قراءة لرواية "صلاة القلق" لمحمد سمير ندا

صورة
  يشنّ الروائي المصري محمد سمير ندا في روايته "صلاة القلق" – الفائزة بجائزة البوكر العربية لهذا العام – هجومًا لاذعًا على الدولة العربية المعاصرة، لا سيما الدولة الشمولية في نموذجها الناصري، التي احتكرت السلطة، والاقتصاد، والصحة، والإعلام، والدين . تنتمي الرواية إلى أدب الواقعية السحرية، وهو أسلوب نادر في الأدب العربي ومحفوف بالمخاطر .   تدور أحداث الرواية في نجع يقع بين الكثبان الرملية، ويعيش في عزلة تامة عن محيطه، منسيًا من الدولة التي انشغلت بـ"زعيمها العظيم" ومعاركه الدائمة. تنطلق الرواية بلسان الراوي العليم في عام 1977 – وهو تاريخ رمزي يشير إلى انتفاضة الخبز – حين يقع انفجار غامض نتيجة اصطدام جسم مجهول، مما يزيد من عزلة النجع، ويفرض على سكانه تحوّلًا جسديًا غريبًا؛ إذ يبدأ الرجال والنساء بفقدان شعر رؤوسهم وجفونهم بالإضافة إلى انتشار القلق الذي يتحول إلى موجة من الشكوك والربية يزيد من الانعزال الذي يعيشه سكان النجع. ينتقل السرد لاحقًا إلى مجموعة من الشخصيات: النحال، الدباغ، النجار، الكلاف، الداية، الراقصة، الولي، والنسّاج القتيل. ومن خلالهم نعود إلى عا...

قراءة لكتاب النقد الحضاري للمجتمع العربي في نهاية القرن العشرين لهشام شرابي

صورة
  يقدّم المفكّر الفلسطيني هشام شرابي في كتابه دراسة شاملة ومختصرة تجمع بين التحليل النقدي والمعالجة البانورامية للأزمة الحضارية والثقافية التي يعيشها كل من المثقفين والشعوب العربية على حد سواء. أزمة انعكست بنهاية القرن العشرين على واقع المجتمعات العربية، التي وجدت نفسها وقد وصلت إلى طريق مسدود، وأصبحت على هامش التاريخ الحديث، ترزح تحت وطأة السلطة القمعية وانسداد الأفق وفقدان الأمل في المستقبل. يخلص شرابي إلى أن الحركة النقدية العربية الحديثة، التي بدأت في أوائل السبعينيات، والتي تمثّلت فيما يُعرف بمثقفي الفكر الاشتراكي العلماني النقدي، هي الأمل في تجاوز هذا الانسداد الحضاري. ويرى أن هذه الحركة الثقافية تواجه أربعة تحديات رئيسية: هيمنة مفاهيم الحداثة الغربية وما بعد الحداثة على أدوات ومفردات الخطاب النقدي العربي ، الصعود الطاغي للقوى الأصولية التي لجأت إلى تكريس الغيبيات الدينية، والعودة إلى الماضي لا بقصد البناء، بل كوسيلة للهروب من الواقع الراهن، وهو ما لاقى قبولًا واسعًا في أوساط الجماهير العربية، انفصال المثقف عن واقع الجماهير، وانشغاله بإشكاليات نخبوية لا تمس التحديات اليوم...

قراءة للمجموعة القصصية "عالم ليس لنا" لغسان كنفاني

صورة
    لطالما اعتبرتُ أن قراءة أي من أعمال الكاتب والمناضل الفلسطيني الكبير غسان كنفاني تجربة فريدة ومغامرة أدبية وإنسانية ثرية، يلتقي فيها اليأس بالأمل، والشقاء بالعزيمة . ولم تختلف هذه المجموعة عن غيرها، فوجدتها تبعث في النفس الكثير من الهواجس، وتطرح عليها الكثير من الأسئلة: عن الإنسان والمجتمع، عن المهمشين على اختلاف مشاربهم، عن النزعة الإنسانية نحو العدالة، نحو الحرية، نحو عالم أفضل يكون لنا جميعًا، وليس عالمًا كالذي كُتب في هذه القصص وما زلنا نعايشه اليوم، حيث أصبح بحق، بالنسبة للفلسطينيين بشكل عام، وفي غزة والضفة بشكل خاص، عالمًا ليس لهم . تتكون المجموعة القصصية، التي كُتبت بين عام 1959 و1965، من خمس عشرة قصة، ترتكز في أغلبها على قصص المهمشين والمحرومين في عالمنا. ورغم أن القصص لا تطرق موضوع القضية الفلسطينية بشكل مباشر، باستثناء قصتها الأخيرة "العروس" ، إلا أن قضية اللاجئين والهجرة والحرمان حاضرة وبقوة في القصص، من خلال رموز رسمت بحرفية بالغة: من العصفور المحبوس بين الجدران الحديدية، إلى الرجل الذي أصبح لا يرى نصف العالم، فلا يستطيع أن يرى العالم إلا من وجهة نظر واحدة...

قراءة في رواية "الموت في البندقية" لتوماس مان

صورة
  هذه تجربتي الأولى مع الروائي الألماني توماس مان، الحائز على جائزة نوبل للآداب عام 1929، والذي يُعدّ من أبرز كتّاب الحداثة الذين قدّموا قراءة عميقة للشخصية الألمانية والأوروبية. ومما لا شك فيه أنها لن تكون التجربة الأخيرة، فقد دفعتني الرواية إلى التطلع لقراءة روايته الشهيرة "الجبل السحري"، الراقدة على رفوف مكتبتي منذ خمس سنوات . في "الموت في البندقية"، يطرق توماس مان جملة من الثيمات الوجودية والإنسانية: علاقة الفن بالفنان، الإلهام، الجمال، وتأثير ذلك كله في النفس الإنسانية. تتناول الرواية أيضًا الانحدار الأخلاقي السريع، و التحولات المفاجئة، والوحدة، والشوق، والشيخوخة، والشباب، والحب، والموت، والاضطرابات النفسية والروحية. كل هذه المواضيع يطرحها مان من خلال عمله القصير الكثيف، المفعم بالرمزية والمونولوجات الداخلية التي يغوص بها في أعماق الإنسان، رغباته وتحولاته. تتسم الرواية بسهولة وبساطة حبكتها العام، إذ تروي قصة الكاتب والشاعر الشهير "غوستاف أشنباخ"، الذي لطالما اعتز بإرثه النبيل وكتاباته الرصينة التي سمت عن الهزل والابتذال، متّخذًا من العقل والحكمة والات...

قراءة في كتاب "على هامش صراع الحضارات" لمحمد حسنين هيكل

صورة
  كان كتاب صراع الحضارات لصامويل هنتنغتون من أوائل الكتب التي قرأتها، حين عثرت عليه مصادفةً في نهاية المرحلة الإعدادية، بين ركام من الكتب القديمة في إحدى الغرف المهجورة في بيت جدي القدم. دفعني عنوان الكتاب وشهرته لقراءته، ولا زلت أذكر انبهاري الشديد بفكرته آنذاك، رغم أنني كنت أجهل الرسائل الخفية التي كان يحملها . كان ذلك في بدايات "الزمن الأمريكي"، بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، حين بدأت أفكار هنتنغتون تجد طريقها إلى مؤسسات صناعة القرار الأمريكي. حيث اصبحت بمثابة بذور لأسطورة "الإرهابي العربي والمسلم"، التي تحولت لاحقًا إلى مبرر لسلسلة من المغامرات الأمريكية الدامية، من أفغانستان إلى العراق، ومن سوريا إلى ليبيا، مرورًا باليمن والسودان . ينطلق الأستاذ هيكل في مقالته الأولى - ورقة أولية كتبها وأرسلها إلى المهتمين في الشرق الأوسط خلال فترة حمى 'صراع الحضارات' التي اجتاحت العالمين العربي والإسلامي، حيث عُقدت الندوات وأُنشئت المعاهد والمؤسسات- من هدف واضح: تفنيد فكرة "صراع الحضارات" وحتى "حوار الحضارات"، معتبرًا أن كلا المفهومين مجرد اختراع مل...

قراءة في رواية "الشحاذ" لنجيب محفوظ

صورة
  هذه هي القراءة الخامسة والعشرون لي لأعمال نجيب محفوظ، كتابات تنوعت بين القصص القصيرة والروايات، وكما في كل مرة، لم يخيّب نجيب محفوظ ظني. ليس فقط ببراعته اللغوية وبنائه الدرامي، ولا بجرأته في تناول المواضيع، بل في قدرته الفذة على التجديد والمفاجأة. بعد كل هذه القراءات، ما زلت أجد ما يدهشني في كتاباته، وما زالت كل رواية تحمل رؤيتها الخاصة وزاويتها المميزة، حتى حين تتشابه المواضيع. قراءة نجيب محفوظ أشبه بدخول عالم لا يشبه غيره، تجربة أدبية وإنسانية يصعب أن تتكرر. تتناول الرواية موضوع الوجودية، وتطرح على قارئها أسئلة كبرى حول معنى الحياة، وجود الإنسان، الله، والعبث الكامن خلف تفاصيل الحياة اليومية. تحكي الرواية قصة "عمر"، محامٍ ناجح من حيث المظهر الخارجي: مهنة مرموقة، أسرة مستقرة، وحياة مريحة. لكنه رغم كل هذا، يصاب باكتئاب حاد، مجهول السبب، يدفعه إلى التخلي عن كل شيء في رحلة بحث عن معنى وجوده وعن "السعادة الخالصة" كما يتخيلها . تفتتح الرواية بمشهد بسيط: صورة معلقة على جدار غرفة الانتظار في عيادة طبيب، يزوره "عمر" باحثًا عن تفسير لحالته. ورغم أن هذه الص...

قراءة لرواية "موت عباءة" لخيري شلبي

صورة
  هذه بحق واحدة من أجمل ما كُتب في الأدب العربي؛ مرثية ساخرة لزمن مضى، وزمن آخر تشوّهت فيه الملامح، وتحولت فيه المجتمعات – في مصر، وللأسف في معظم أرجاء العالم العربي – من الحلم والحرية والقيادة إلى الشقاء والفساد وعبودية مطلقة للسلطة والمال. كيف يمكن لرواية لا تتجاوز المائة صفحة أن تحمل بين أوراقها هذا الكم الهائل من الألم، والوجع، والخيبة؟ وكيف لها، من خلال حكاية أسرة واحدة، أن تختصر بكل سلاسة نتائج عصر "السلام" والانفتاح الاقتصادي في عهد السادات؟!   تحكي الرواية قصة أسرة ريفية مصرية تتفكك بعد وفاة كبيرها، حين تنشب الخلافات حول إرث غير عادي: عباءة والدهم، التي كانت لسنوات رمزًا للمكانة والوقار بين أهل القرية. تبدأ الرواية بسلسلة من الحكايات الساخرة عن قيمة العباءة في الريف المصري، ليطل من خلالها شلبي على عالم الريف بكل ما فيه من جهل ونفاق وظلم اجتماعي. ثم تتكشف في الفصول التالية مأساة العائلة التي يشتتها فساد الدولة والانفتاح الزائف، فتتوزع بين الخليج والعراق، في رحلة مليئة بالمرارة والانكسار. العباءة هنا ليست مجرد قطعة قماش، بل رمز لوطن كامل؛ لمصر الثورة والحرية، لمصر ا...