قراءة لرواية قناع بلون السماء للاسير الفلسطيني باسم خندقجي
آه… اعذرني، لقد نسيت أن السجن لا سماء له.»
ليست مجرد رواية، بل شهادة مكتوبة من قلب السجون. حين تعرف أن كاتب قناع بلون السماء هو الأسير الفلسطيني باسم خندقجي، تدرك أن الكلمات هنا ليست فقط رواية متخيله، بل صرخة حقيقية صادرة من قلبٍ عاش القيد وعرف معنى أن تكون بلا سماء. لهذا، لا يمكن قراءة هذا النص قراءة منصفة إلا وأنت تحمل في بالك حقيقة صاحبه : أسير قضى معظم حياته في سجون الاحتلال، وما زال هناك، يكتب من داخل الظلام. فالنص يكتسب قوته وزخمه من هذا السياق، دون أن ينتقص ذلك من جماله الأدبي أو استقلاله كعمل فني.
الرواية تناقش مواضيع كثيرة: عن الكتابة القصصية وكيف نكتبها وكيف يمكن نقدها ومناقشتها، عن ازدواج الهوية، عن مقاومة الصهيونية من خلال النضال الثقافي والتمسك بالهوية والذات، عن الأسير والأسر في سجون الاحتلال.
تحكي القصة باختصار حكاية نور مشهدي، لاجئ فلسطيني يجد بالصدفة بطاقة هوية إسرائيلية زرقاء – بلون السماء – فيستغلها لينضم إلى بعثة تنقيب أثرية تعمل في مستوطنة مقامة على أنقاض قرية فلسطينية مهجّرة. هناك، وهو يتقمص مزهوا هوية مزورة، يحاول أن يكتب روايته عن مريم المجدلية، ويعيش وهم الانتصار على المستعمِر الذي جعله لاجئًا. لكنه يصحو على الحقيقة عندما يلتقي ”سماء“، فتاة فلسطينية من حيفا، تحمل بدورها هوية إسرائيلية، لكنها متجذرة في فلسطينيتها، حافظة لذاكرة مدينتها المتوقفة عند 1948. حينها، يفهم أن مريم المجدلية التي يبحث عنها في الحجارة والآثار في مواجهة تزوير دان براون لها، يجدها حقًا في سماء: رمز الكبرياء الفلسطيني في مواجهة النسيان.
الرواية تتأرجح بين صوت الراوي العليم، بأسلوب تقليدي كلاسيكي، وبين تسجيلات صوتية للبطل يبوح فيها بأسراره وأفكاره، بأسلوب يمنح النص حميمية وعمقًا ويقرّب القارئ أكثر من الشخصية. في هذه التسجيلات تختلط محاولاته لكتابة الرواية برسائل عن فلسطين وصراعه الداخلي ورسائل إلى صديق أسير، تتحول إلى سجالات ذات طابع إنساني مؤثر.
لا تخلو الرواية من بعض المآخذ، ولعل أسوأها السطحية في تناول الشخصية الإسرائيلية، ممثلة في شخصية "إيلا" التي تُعجب بـ"نور"، والتي جاءت لتقدم وجهة النظر الإسرائيلية، لكنها بدت سطحية ولم تخرج عن التقليدي للشخصية الاستعمارية في الأدب العربي.
رواية تحمل الكثير من الأسئلة والوجع والكرامة، وتستحق أن تُقرأ مرتين: مرة كنص أدبي جميل، ومرة كشهادة إنسان يكتب من قلب السجن. ولعل هذا ما جعلها تفوز بجائزة البوكر للرواية العربية لعام ٢٠٢٤.
تقييمي الشخصي: ٨ /١٠
تقع الرواية في ٢٣٨ صفحة. بين يدي طبعة الثانية ٢٠٢٤ منشور من دار الاداب.
تعليقات
إرسال تعليق