قراءة لرواية "صلاة القلق" لمحمد سمير ندا

 


يشنّ الروائي المصري محمد سمير ندا في روايته "صلاة القلق" – الفائزة بجائزة البوكر العربية لهذا العام – هجومًا لاذعًا على الدولة العربية المعاصرة، لا سيما الدولة الشمولية في نموذجها الناصري، التي احتكرت السلطة، والاقتصاد، والصحة، والإعلام، والدين. تنتمي الرواية إلى أدب الواقعية السحرية، وهو أسلوب نادر في الأدب العربي ومحفوف بالمخاطر.  

تدور أحداث الرواية في نجع يقع بين الكثبان الرملية، ويعيش في عزلة تامة عن محيطه، منسيًا من الدولة التي انشغلت بـ"زعيمها العظيم" ومعاركه الدائمة. تنطلق الرواية بلسان الراوي العليم في عام 1977 – وهو تاريخ رمزي يشير إلى انتفاضة الخبز – حين يقع انفجار غامض نتيجة اصطدام جسم مجهول، مما يزيد من عزلة النجع، ويفرض على سكانه تحوّلًا جسديًا غريبًا؛ إذ يبدأ الرجال والنساء بفقدان شعر رؤوسهم وجفونهم بالإضافة إلى انتشار القلق الذي يتحول إلى موجة من الشكوك والربية يزيد من الانعزال الذي يعيشه سكان النجع.

ينتقل السرد لاحقًا إلى مجموعة من الشخصيات: النحال، الدباغ، النجار، الكلاف، الداية، الراقصة، الولي، والنسّاج القتيل. ومن خلالهم نعود إلى عام 1967، حيث نكتشف أن النجع ظل معزولًا لعشر سنوات بذريعة وجود ألغام تحيط به وتمنع الدخول أو الخروج منه. كما نكتشف أن هزيمة 1967 – في السرد الرسمي داخل النجع – لم تكن إلا خدعة تكتيكية من الزعيم، تحوّلت لاحقًا إلى "نصر"، وأن الحرب ما تزال مستمرة، وأن هناك "جيوب مقاومة يهودية" حول القدس الغربية، وأن عبد الناصر ما يزال حيًّا ويقود "معركة التحرير الكبرى. "

تتجسد حلقة الوصل الوحيدة مع العالم الخارجي في شخصية خليل الخواجة، الذي يحتكر البيع والشراء، ويوزع الأدوية، ويشرف على التجنيد الإجباري، بل ويتحكم في الرسائل التي تصل بين الجنود إلى ذويهم المنتظرين منذ سنوات، بالإضافة على سيطرته على الأخبار من خلال صحيفة مجانية يوزعها على أهل النجع.

لكن الرواية – على الرغم من عناصرها المثيرة – تقع في فخ لغوي وفني: فشخصياتها البسيطة وغير المتعلمة تتحدث جميعها بلغة واحدة فصيحة ومثقفة، محمّلة بأفكار فلسفية معقدة لا تتناسب مع خلفياتها الاجتماعية والعقلية. ولتفادي هذا التناقض، يلجأ الكاتب إلى تبريرات واقعية مفاجئة، في محاولة لتفسير ما كان قد بناه سابقًا على الخيال والرمز، فيخسر بذلك روعة الواقعية السحرية التي بدأت بها الرواية، ويتراجع في الفصول الأخيرة عن معظم أدواته الجمالية والرمزية التي ميّزت بدايات النص.

"صلاة القلق" تبدأ بوعود كبيرة ورؤية روائية واعدة، لكنها تنكفئ في الختام إلى نص واقعي خافت، متردد، يفتقر إلى الثقة بالقارئ، ويتنازل عن أهم عناصر تفرّده: الخيال، والرمز، والدهشة.

تقيمي الشخصي:7/10

بين يدي الطبعة الثالثة للرواية 2025 م  منشورة عن دار مسكلياني، تقع الرواية في 353 صفحة.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قراءة للمجموعة القصصية أكابر لميخائيل نعيمة

قراءة لرواية خان الخليلي لنجيب محفوظ

قراءة لمسرحية "السلطان الحائر" لتوفيق الحكيم