قراءة لرواية راقصة المعبد لتوفيق الحكيم
" إن حريتي أثمن عندي من روحي
... وأن المرأة وحدها هي أخطر عدو يهدد هذه الحرية ... فالمرأة يا سيدي هي السجان
... الدائم لنا نحن الرجال ... نتخبط بين جدران بطنها ونحن أجنة ... نطعم ما تريد أن
تطعمنا إياه ... فإذا خرجنا من بين تلك الجدران المظلمة إلى الحياة المضيئة الرحبة،
وقعنا بين سياج حجرها ، تغذي أفهامنا بما تريد هي أن تلقننا إياه ... فإذا اجتزنا بالكبر ذلك السياج تلقتنا أغلال
ذراعيها فطوقت أعناقنا حتى الممات ... فمتى الخلاص منها ؟ ... متى الحرية؟..."
عن الإبداع المولود من رحم المعاناة،
و عن الجمال الملهم للفنان، حيث تلتقي الطبيعة الإلهية و العبقرية الآدمية مقدمة أفضل
ما يمكن للعمل الإبداعي تقديمه، يرسم توفيق الحكيم خيوط حكايته الجميلة التي على الرغم
من بساطة حبكتها ورقة لغتها تنقلب في ختامها إلى ملحمة فلسفية تأخذ قراءها في رحلة
رمزية و تضعهم فيها أمام شروط الإبداع و هوية المبدع و طبيعة الفن و مقاصده.
تحكي الرواية القصيرة حكاية كاتب
مصري -دون ذكر اسمه- يقع في غرام راقصة بولونية على متن رحلة قطار بين سالزبورغ وباريس.
تبدأ الرواية عندما يدعو المترجم والمحرر الفرنسي صديقه المصري للتعرف على راقصة
بولونية عل وقعوه في حبها يلهمه البدء في كتابة روايته أو عمله الأدبي القادم وهو
ما يرفضه الكاتب – الراوي – متعللا بأنه لا يستطيع خوض التجربة مرة أخرى.
على أن "الصدفة" تحمله للقاء
الراقصة في عربة الطعام وقضاء سهرة في القطار، تنقلب إلى موعد في باريس ثم ليلة
محمومة بين مطاعم وشوارع باريس تنتهي بالراوي هربا على وجهه من شقته في صباح اليوم
التالي تاركا للحبيبة رسالة قصيرة " سيدتي ... لم يبق أمامي إلا الفرار".
تتحرك الرواية بعدها لتكشف لقرائها ما وراء ذلك اللقاء العابر وعن الدوافع الحقيقة
التي حركت شخوصها، ووضعت بطلها في النهاية على حافة الانهيار، حينها تتنقل الرواية
كما أسلفت في رحلة رمزية غاية في الإبداع والمتعة يواجه توفيق الحكيم فيها إله
الفن – كما يسميه.
اختار توفيق الحكيم لسرد الرواية ضمير
المتكلم على لسان بطلها – الفنان المصري – على أن الرواية لا تكتفي بالسرد المباشر
حيث تأخذ قرائها في حوارات غاية في الروعة والإبداع اختتمها الكاتب بذلك المشهد
الجميل في الحوار بين الكاتب و إله الفن. تجدر الإشارة إلى أن الرواية تبدأ بقصة ساخرة
بعنوان "العوالم" ليس لها علاقة مباشرة برواية “رقصة المعبد” إلا في كونها حدثت في قطار وأن شخوصها مرتبطة بالفن والإبداع على نحو
ما. تحكي القصة القصيرة عن العوالم والتخوت في قاع المجتمع المصري وتدور كافة أحداثها
في قطار بين مصر والإسكندرية. القصة جميلة ويمكن اعتبارها افتتاحية خفيفة وساخرة
للرواية الرئيسة.
تقع الرواية مع القصة في 85 صفحة،
نشرت الرواية في عام 1939، بين يدي الطبعة الأولى لدار الشروق 2018.
تقيمي الشخصي: 8.5/10
تعليقات
إرسال تعليق