قراءة لرواية الوتد للأديب المصري خيري شلبي
إلى الريف المصري في نهاية النصف الأول من القرن العشرين يعود خيري شلبي في رباعيته الجميلة "الوتد"، ليقدم حكايات الفقراء والمهمشين والمعدمين والمكافحين من قاع المجتمع المصري، وهو موضوع خيري شلبي الأثير. في هذه الرواية - التي هي حقا أقرب إلى المجموعة القصصية - يقدم خيري شلبي أربع حكايات للشخصيات مختلفة ومن طبقات اجتماعية مختلفة يجمعها جميعا الفترة التاريخية والموقع ـ الريف المصري ـ وتركيز كل حكاية على بطولة المرأة المصرية ونضالها في وجه الشقاء والفقر والحرمان. لا تهتم الرواية بطرح أسئلة فلسفية كبرى أو مناقشات تاريخية أو نقد سياسات أنظمة، فهذه المواضيع تحتل هامشا بسيطا من الرواية ـ في الحكايتين الثالثة والرابعة ربما - ، الرواية مهتمة بشكل أساسي باستعراض يوميات سكان الريف المصري وطبيعة حياتهم الاجتماعية الاقتصادية.
كما أسلفت تتكون الرواية من أربع حكايات هي بالترتيب: الوتد، المنخل الحرير، العتقي، أيام الخزنة. في القصة الأولى المعنونة "الوتد" يقدم شلبي حكاية السيدة " فاطمة ثعلبه"، المرأة الريفية المحافظة التي تمكنت بحكمتها من مضاعفة ملكية أراضي زوجها البسيطة، كما تمكنت كذلك من المحافظة على تماسك أسرتها الكبيرة بالحنية والعطف أحيانا و بالشدة أحيان أخرى. يأخذنا شلبي من خلال قصة ثعلبه والعكايشه في رحلة بانوراومية حول كل تفاصيل ويوميات هذه العائلة وعلاقتها. قدم لنا فيها شلبي شخصيات مثيرة ومركبة وقوية ورغم قصر القصة نسبيا إلا أن الشخصيات فيها خصوصا الحاجة فاطمة رسمت بدقة وواقعية غريبة لكل منها طبيعته الخاصة ولغته الخاصة وأسلوبه المختلف المفهوم أيضا في السياق العام للحكاية.
في القصة الثانية - المنخل الحرير- يأخذنا خيري شلبي في رحلة ليوم واحد بصحبة امرأة ريفية معدمة ترغب في شراء القمح لعائلتها مبتدأ بلحظة عدها لنقودها البسيطة في منزلها ثم ذهابها لشراء القمح، ثم غسله،ثم طحنه وعودتها للبيت لتخبز لزوجها وابنها راوي الحكاية. تروي القصة الثالثة المعنونة "العتقي" حكايات الحفاة والمعدومين من أبناء الريف وتتمحور حول حكايات عتاقي فقير يصلح ويفصل الأحذية، وفتى صغير وأمه التى كان كل همها حصول ولدها على حذاء جديد، وجدته البخيلة التي ما زالت تستخدم نفس الشبشب مذ عرفها. أما القصة الأخيرة، فتحكي قصة عائلة من المعدمين تقيم في خزنة، كانت خزانة لدكان جدهم، حين كانت العائلة جزء من الطبقة المتوسطة حيث عمل مؤسسها مع أحد خدويات مصر إلا أن الزمن انقلب عليهم ورماهم معدمين في غرفة واحدة، ورغم تبدل العصور من الملكية للناصرية ثم للسادات وعلى الرغم من أن ثلاثة من أبناء العائلة بذلوا أرواحهم دفاعا عن الوطن إلا أنهم ظلوا حتى النهاية قابعيين في تلك الغرفة الحزينة.
تتسم الحكايات ببساطة اللغة وطرافتها إلا أنها أيضا مملؤوة في متنها بالكثير من الألفاظ العامية المصرية وذلك لأنها محكيه بألسنة أبطال الرواية وهو ـ أي استخدام العامية ـ أمر لا أحبذه شخصيا خارج الحوارات بين الشخوص وأجده مشتتا للقارئ. على أن أكثر ما جذبني للرواية هو اهتمام خيري الشلبي الكبير بشخصياته الرائعة والمركبة فخلق لنا شخصيات ستظل محفوظة في الذاكرة كالحجة فاطمة ثعلبه وابنها الحاج درويش ولعل أحد أكبر مأخذي على الرواية أن الروائي لم يعطنا الفرصة الكافية للبقاء بصحبة شخصياتها الجميلة أو التعرف عليهم بشكل أكبر خصوصا في حكايتي المنخل الحرير والعتقي.
في الختام، قدم لنا خيري شلبي رواية خفيفة وممتعة وقصيرة تصلح للقراءة في جلسة واحدة في ظهر أحد الأيام الرائقة. تجدر الإشارة هنا إلى أن حكاية الوتد حولت إلى عمل درامي حمل العنوان نفسه، واعتبر من روائع الدراما المصرية الحديثة حيث لاقى نجاحا وجماهيرية كبرى في العالم العربي، قامت ببطولته الممثلة الراحلة هدى سلطان وشارك معها الفنان القدير يوسف شعبان.
تقييمي الشخصي: ٧.٥ /١٠
تقع الرواية ١١٦ صفحة. نشرت الرواية لأول مرة عام ١٩٨٦، بين يدي طبعة دار الشروق الثالثة ٢٠١٩م.
القادم رواية يوم قُتل الزعيم لنجيب محفوظ
تعليقات
إرسال تعليق