قراءة لكتاب " فلسفة الوجود" للدكتورة أمل مبروك
" إن الإنسان الذي لا إرادة له على الإطلاق لا ذات له أيضا، وكلما زادت إرادته زاد وعيه كذلك"
" تبدأ الفلسفة الوجودية من الإنسان لا من الطبيعة، فهي فلسفة عن الذات أكثر منها فلسفة عن الموضوع. والذات عند الفيلسوف الوجودي ليست ذاتا مفكرة فحسب وإنما هي الذات التي تأخذ المبادرة في الفعل وتكون مركزا للشعور والوجدان"
على الاعتراف في بداية الحديث أن هذه هي محاولتي الأولى لاقتحام عالم الفلسفة الوجودية فقد كان كل ما قرأته أو اطلعت عليه سابقا في هذا الموضوع لا يعدو أن يتجاوز الشذرات السريعة أو الإشارات من هنا وهناك، ولذلك فلابد لي من تسجيل اعتراف مسبق أن فهم الكثير من الأفكار التي طرحتها الدكتورة آمال مبروك في كتابها الشائق حقا " فلسفة الوجود " لم يكن هينا بل كان أقرب إلى التحدي ـ وإن كان تحدي مثير و مشوق ـ فقد اضطررت في كثير من الأحيان إلى إعادة قراءة الكثير من العبارات عدة مرات للإحاطة بالمقاصد التي أرادت الكاتبة ـ والذين تنقل عنهم ـ إيصالها إلى قارئها.
في كتابها "فلسفة الوجود" تتناول أمل مبروك فلسفة الوجود من وجهة نظر أهم فلاسفتها، وهو الفيلسوف الدينماركي "سرن كيركجورد" الذي يعتبره المؤرخون والمفكرون " أول وأعظم فيلسوف وجودي بالمعنى الدقيق الذي تدل عليه كلمة "وجودية" ، ويعزى إليه الفضل في أنه أول من أشار إلى كثير من مصطلحاتها". ينقسم الكتاب إلى جانب المقدمة والخاتمة إلى ستة فصول كالآتي:
- الفصل الأول: بما أن الكتاب يتناول الوجودية من وجهة نظر كيركجورد فقد خصصت الباحثة الفصل الأول من الكتاب لتناول ملامح شخصية كيركجورد وفكره. تعرضت خلالها الباحثة إلى شخصيته ونشأته وقصة حبه الفاشلة، في محاولة منها للبحث عن المؤثرات الأولية التي ساهمت في بناء شخصية كيركجورد وأثرت على فكره. وتخلص الكاتبة هنا إلى أن شخصيته في نشأتها الأولى تأثرت بعامليين رئيسيين كان لهما التأثير الكبير على شخصية الفيلسوف وهما عقدة الذنب الدينية لدى والد كيركجورد وقصة الحب الفاشلة التي عاشها في بداية عمره. بعدها تعرض الكاتبة " العوامل التي ساعدت على تطوره فكره " بالإضافة إلى تحديد موقفه من كل سقراط و هيجل.
" إذا كانت حقيقة الوجود عند كيرجورد، حقيقة ذاتية، تعبر عن التجربة الحية للإنسان، فإن المتأمل في فلسفته، يجد أن هناك عوامل عديدة أسهمت في تكوين هذه الفلسفة: منها حياته وتطوره الفكري متمثلا في تأثره بسقراط وموقفة من هيجل "
- في الفصل الثاني من الكتاب ، تستعرض الباحثة "الإشكالية الوجودية" مبتدأة من معنى الوجود في التاريخ الفلسفي وانتهاءً بمعناه عند كيركجورد وغيره من فلاسفة الوجودية. بعدها تستعرض الكاتبة سريعا مفهوم الإمكانية الوجودية وهو من المفاهيم المهمة جدا، كما أنه توطئه مفيدة جدا تمكن القارئ ـ خصوصا العام من أمثالي ـ من التعامل مع الفصول القادمة من الكتاب.
" كان كيركجورد مهتما بالبحث عن مفهوم انطولوجي لوجود الإنسان، اهتمامه بالمراحل العامة للحياة الإنسانية وبسمات الإنسان الرئيسية في ذاتيته الواقعية، حيث يبين ثلاثة معان لبنية الوجود، التي تشكل الوجود الإنساني العيني. وفي هذا الإطار يدل الوجود العيني أولا على الموقع والممكن والعيني والزماني للوجود الإنساني. و يشير ثانيا: إلى المفهوم المجرد للوجود. بمعنى أن فكرة الوجود العيني ذاتها توجود بوصفها شيئا ضروريا مثاليا. و يظهر المعنى الثالث من خلال اهتمام الفرد بالتحقيق الفعلي للوجود في مجال الممكن للصيرورة. و يوضح هذا أن الوجود العيني هو الفعل الذي يتم من خلاله تحقيق المثال في مجال الصيرورة "
" يرى كيركجورد أن المقولة الأساسية بالنسبة لتفسير الوجود الإنساني ووصفة، هي مقولة الإمكانية. فالإنسان موجود، يحمل بداخله العديد من الإمكانات وليست هذه الإمكانات موضوعات معرفة نظرية، وليست نتيجة لظاهرة ما، وإنما هي إمكانات تعبر عن وجود الفرد وتتحقق من خلال فعله. وتصبح هذه الإمكانات حاضرة بالنسبة للفرد من خلال تأمله الذاتي أو من خلال وعية الذاتي ، فعندما يصيغ الفرد الإمكانات من أجل ذاته لا بد أن يدرك المغزى والمعنى الوجودي لهذه الإمكانات الذاتية "
- في الفصول من الثالث إلى السادس تستعرض الباحثة مراحل تطور الوجودية عند كيركجورد، التي يقسمها كيركجور إلى ثلاثة مراحل أساسية، لكل منها سماتها الخاصة، والمراحل بالترتيب هي : المرحلة الجمالية وتتميز بالتركيز على ما هو حسي مع غياب وعي الفرد لذاتيته ، بعدها تأتي المرحلة الأخلاقية وهي المرحلة التي يدرك فيها الإنسان لذاته من خلال اتخاذه القرار للوصول إلى ذاته، ثم المرحلة النهائية وهي المرحلة الدينية التي يصل فيها الإنسان حسب كيركجورد إلى تحقيق السعادة الأبدية من خلال فهم الذات ومعرفتها للإختلاف المطلق بين الله والعالم.
" في المرحلة الجمالية يحيا الفرد من أجل اللذة الحسية وهو في بحثه عن اللذة والمتعة يتجاهل الإلزام الأخلاقي وينسى الاهتمامات الدينية، كما أنه في الوقت نفسه يجهد نفسه في فكر تأملي، حيث يقوم بملاحظة الظواهر التي تتبدى أمامه، بهدف الوصول إلى نظرة موضوعية شاملة. تنقسم المرحلة الجمالية عند كيركجورد إلى طرفي نقيض: الحسية المباشرة والجمالية التأملية"
" يتضمن تفسير" المرحلة الحسية المباشرة " على أنها نموذج مثالي لشخصية "إنسان الحشد the crowd man عند كيركجورد والمقصود به كل إنسان يحيا حياته وسط الجماهير دون أن يصبح على وعي كامل بفرديته الخاصة، بوصفها شيئا مميزا عن البيئة الطبيعية والاجتماعية التي هو جزء منها"
" أن السمة الرئيسية للمرحلة الأخلاقية هي قدرة الفرد على اتخاذ القرار، أو ممارسة الإختيار. بمعنى أن الذات من خلال وجودها في الزمان تصير قادرة على اتخاذ قرار إما-أو ، وتصير قادرة كذلك على ممارسة إرادتها الحرة، و هذا كله يعبر عن فرديتها"
هذا اختصار غاية في التبسيط والعمومية وهو أقرب إلى أنه مجرد لمحات للأفكار الكثيرة والغنية التي حواها الكتاب وهي أفكار لم أتمكن من احتواء وفهم الكثير منها. إلا أني خرجت مع ذلك من البحث بالإضافة إلى المعرفة الغنية بالفلسفة الوجودية بالكثير من التساؤلات وعلامات الاستفهام التي ستدفعني للبحث والتعمق أكثر في هذا العالم الشائق وبالتأكيد ستكون كتابات سارتر و كيركجورد والبحوث العلمية في موضوع الفلسفة الوجودية في مقدمة ما أبحث عنه في المكتبات في قادم الأيام.
أخيرا علي الإشارة ولو سريعا أنني خرجت من هذا الكتاب - وأتمنى من ذوي الاختصاص أن يصححو لي إن قرؤوا ما كتبت هنا إن كنت مخطئا- أن اللغة العربية لا تسعف الباحث كثيرا في الحديث عن الفلسفة الوجودية والأبحاث من هذا القبيل، ولولا وضع الكاتبة لمصطلحات بلغتها الإنجليزية إلى جانب ترجمتها العربية لكان من الصعب على فهم الكثير من المصطلحات العربية التي استخدمتها الكاتبة إذ مارست الباحثة نوعا من اجترار كبير لبعض الألفاظ، بعيدا عن معناها المباشر.
يقع الكتاب في ٢٩٦ صفحة، الطبعة الأولى ٢٠١١ عن التنوير للطباعة والنشر والتوزيع.
القادم رواية وردة لصنع الله ابراهيم
ملاحظة توثيقية مهمة: ما وضع في التنصيص "…" في ما سبق هو اقتباس مباشر من كتاب فلسفة الوجود.
تعليقات
إرسال تعليق