قراءة للمجموعة القصصية ساعة زوال للكاتب العماني محمود الرحبي

أمام المجموعة القصصية الرابعة - المعنونة "ساعة الزوال " - التى أقرؤها لكاتب عماني أقف حقا مذهولا أمام مجموعة قصصية رائعة تنوعت مواضيعها بين النقد السياسي اللاذع والساخر للمجتمع والحكومات المشرقية وبين الفلسفة الإنسانية والحكمة والأسطورة والوجودية. استحقت الفوز وبجدارة بجائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب في دورتها الأولى عام ٢٠١٢م. مجموعة قصصية فاجأتني و دفعتني إلى إعادة النظر في المنتوج الثقافي العماني خصوصا في مجال القصة القصيرة و رغم أن كاتبها و هو محمود الرحبي كاتب مشهود له إلا أني لم أقرا له سابقا وهو خطأ مني سأستدركه في القادم إن شاء الله.  

كما أسلفت تتعدد المواضيع التي تعالجها المجموعة القصصية كما تختلف أساليب السرد بين التقليدي الذي يستوحي من التراث والأسطورة العربية شيئا من روحه و بين النقد الساخر للمجتمعات و السياسيات في الحكم العربي و بين الفلسفي الذي يغامر في سبر أعماق الإنسان العربي ـ بخصوصية عمانية ـ و طرح الكثير من الأسلئة التي قد يجدها البعض غير مريحة. على أن الجامع بين معظم القصص ربما كان هموم العدالة الإجتماعية في مقابل الفساد الحكومي .   تتكون المجموعة القصصية من ١٧ قصة تتنوع في الطول بين القصير الذي لا يتجاوز الصفحة أو الصفحتين و يعتمد السرد فيها على الكثافة و الرمزية و بين القصص الطويلة التي تصل ٢٢ صفحة و التي تأخذك في رحلة مع شخصيات فريدة و تتميز بلغة جذابة و حوارات جميلة غاية في الذكاء و المتعة. 

على أنه و كما في أي مجموعة قصصية هناك القصص التى تبقى معك وتعجبك وهناك منها ما لا يصلك و هو أمر يعتمد على القارئ، فبالنسبة لي كانت قصة " ساعة الزوال " بحبكتها ونهايتها الذكية وحوارتها الجميلة جمع فيها الرحبي بين الحداثة في الطرح مع لمحة لطيفة للتراث القصصي العماني أفضل ما في المجموعة. أضف إلى ذلك قصص النقد السياسي والاجتماعي والتي تتميز فيها قصص " إضراب ذهني " و" الوجهة والشجرة " بطرح الكثير من الأسلئة غير المريحة حول حياة العمل في مؤسسات الحكومية وما ينتج عنها من رتابة ولا مبالاة من خلال شخوصها.  و في النقد السياسي أيضا هناك القصة " عملاق يغزو المطاعم الأمريكية " والقصة الرائعة ذات الحبكة الجميلة التي التحمل هموم العدالة الأجتماعية و انحسار الطبقة المتوسطة امام الغلاء المستشري و المعنونة " أمام الموكب " والتي تدور حول شخص يقف أمام موكب قائد الدولة مفاجئ الجميع في بلاده ليقرر بعدها أحدهم البحث عن الأسباب التي أدت إلى ذلك المشهد الغريب.  و من بين القصص التي أعجبتني أيضا قصة "دائرة الفراغ" و هي قصص قصيرة جدا لا تتجاوز النصف صفحة.  

على الجانب الآخر لم تصلني بعض القصص و لم تعجبني كثيرا كـ"حكاية الأمير وقمر الكتاب " و "عسل" ، الأول تأخذك إلى عالم الحكايات العربية الأسطورية إلا أنها مباشرة في موضوعها وقصتها بسيطة جدا، والثانية نقدية تتناول موضوعها بأسلوب ساخر غير أنها لم تكن في مستوى باقي القصص في المجموعة. في الختام أترككم مع بعض المقتطفات التي أعجبتني من المجموعة القصصية انتقيتها من قصص مختلفة: 

" أدركت مع الوقت بأن أكثر ما يجذبني إلى العمل هو النميمة …  في الحقيقة إن معظمنا يفعل ذلك. أكثر من أربعمائة موظف في هذه المؤسسة الحكومية يمتهنون هذا الأمر السري و يتقنونه. حتى الموظفين الجدد الذين يبدون هادئين .. جادين في سنواتهم البكر، و لكن ما إن يتلقوا اللسعات الأولى من اللامبالاة … من اللامساواة … من اللااهتمام … ما إن ترتعش أرجلهم و أرواحهم بالخضات و الدفقات القوية التي تجري تحت الطاولة وفي الخفاء … ما إن يروا القفزات و الترقيات و المسرات و المكرمات التي تطال مكاتب الوزير والوكيل … إلا و يبدأوا في التفنن في إتقان هذه المهنة " - من قصة إضراب ذهني … 

" ما زلنا نلتقي تحت الجسر، نتحدث دون هدف. و نلقي بأعقاب السجائر في الهواء ونطلق بصقاتنا وراءها. نتحدث بخفوت عن السياسة ، وبصوت عال عن كرة القدم "  - من قصة دائرة الفراغ … 

"المشهد الذي أراه كل صباح من مكتبي: شق هزيل في الجدار، مسور بصفحة زجاجية خلفها شباك اسمنتي خلفه مقطع وحيد من رأس شجرة ، هو ما جادت لي به الطبيعة طيلة خمس عشرة عاما في زنزانة الدوام الرسمي " من قصة الوجهة والشجرة …  

" حين ركبت سيارتي ، كانت نظرتي تتردد بين دائرة المقود و يدي النائمة على أطرافها ، الزحمة على أشدها ، و الناس أقضهم نداء واجب العمل، ذلك الجهد الذي لا يؤمن إلا جزاء باهتا من أحلامهم، عدا بعض أولئك الذين لا يأتون إلا متأخرين، و قد سعدت حياتهم طويلا بما التقموه في غفلة الزمن وموت المحاسبة، و لكنهم فوق ذلك يقدمون الأخلاق كمظهر ، مؤكدين على تفاصيلها" - من قصة الوجهة والشجرة  … 

" الغلاء يا أخي يشبه وحشا لا ترى حتى أذنيه لتقطعهما ، لا ترى منه شيئا و هو يطلب كل شيء " - من قصة امام الموكب ….        

تقع المجموعة القصصية في ١٢٧ صفحة ، الطبعة الثالثة ٢٠١٧ عن دار فضائات للنشر … 

تقيمي الشخصي: ٧.٥/١٠ 

القادم رواية الحي الروسي للروائي و المترجم الروسي خليل الرز … 

حمود السعدي 

لمتابعة الجديد ارجو فتح حساب الأنستجرام: hamoodalsaadi