قراءة لكتاب “ العروش و الجيوش كذلك انفجر الصراع في فلسطين “ للاستاذ محمد حسنين هيكل


لعله لن يكون غريبا على من يعرفني ولو قليلا ان يدرك اعجابي الشديد بكتابات و افكار و رؤى الاستاذ محمد حسنين هيكل و هو اعجاب ينطلق من اعتقادي بان كتابات و ربما احاديث الاستاذ محمد حسنين هيكل هي الاساسات و الدعامات التي ينطلق منها لفهم التاريخ العربي المعاصر بشكل عام و تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي بشكل خاص ، فالرجل و مهما اختلافنا او اتفقنا معه كان في قلب الاحداث العربية فقد كان على خطوط النار يوم انطلقت شرارة الحرب فوق الارض المقدسة عام ١٩٤٨، ثم كان في مطبخ توجيه و ربما صنع السياسات العربية خلال ثلاثين سنة من حروب العرب مع اسرائيل ، فكان اول من علم بقرار عبدالناصر تأميم القناة و قد كتب خطاب التأميم الشهير في ذكرى الثورة سنة ٥٦ ، كما كان مع عبدالناصر في يوم من اقسي ايام العرب يوم الثامن من يوليو ٦٧ يكتب معه خطاب التنحي ، و اخيرا كان مع السادات خلال ايام العبور في اكتوبر و كان هو ايضا كاتب التوجيه الاستراتجي للحرب. 


اختلف بعدها الاستاذ مع السادات حول مألات حرب اكتوبر و خيار ما يعرف بالسلام ليتفرغ بعدها للكتابة و هو التفرغ الثي اثراء المكتبة العربية بالكثير من اسرار السياسة العربية المعاصرة التي كانت في معظم الاحيان مغيبة عن الشعوب سواء في رباعيته حرب الثلاثين عام: ملفات السويس ، سنوات الغليان ، الانفجار ١٩٦٧ ، اكتوبر السلاح و السياسية ، او ثلاثيته المفاوضات العربية الاسرائلية او ثنائية حرب فلسطين و هي موضوع حديث اليوم. في هذا الكتاب يقدم الاستاذ لاول مره وثيقة يمكن وضعها ضمن اهم وثائق حرب فلسطين - و التي اعتقد ان شابها الكثير من الغموض لاسباب كثيرة ليس اقلها الى تثبيت فكرة الفزاعة الاسرائلية و حكاية العصابات التي هزمت الجيوش العربية مجتمعته - وهي يوميات الجيش المصري في حرب فلسطين و التي تطلع القارئ علي ساعات و ايام الحرب من خلال يوميات و مرسلات الجيش المصري التي كتبت في حينها و هي وثائق مهمة جدا و تعطي لمحة عن الاسباب التي ادت الى الكارثة الكبري في عام ١٩٤٨. 

ينقسم الكتاب - الذي اعتقد انه يجب ان يكون في مقدمة الكتب الي يجب ان يطلع عليها اي دارس او باحث سياسي عربي بل ان يجب ان يكون في مقدمة التي يطلع عليها اي قارء مهتم بالوضوع العربي - الي اربع اقسام تقريبا: 

١- مقدمة الكتاب التي سيترسل فيها الاستاذ عن اهمية عرض و قراءة و العودة الى يوميات الحرب في دراسة التاريخ و سيتشهد علي سياسين و قادة كبار استخدموا يوميات الحرب في كتابة سيرهم الذاتية من امثال رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل ، و قائد معركة العلمين منتوجومري و الرئيس الامريكي ايزنهاور. 

٢- القسم الاول من الكتاب و فيها سيتعرض الاستاذ الاوضاع السياسية العربية البائسة و سباق الملوك العرب علي الكعكة الضائعه قبل الحصول عليها فيجول بالقراء بين ميادين السياسية العربية الكئيبة قبل الذهاب الي ميادين القتال .

٣- القسم الثاني من الكتاب هي يوميات حرب الجيش المصري خلال الفترة من ٢١ فبراير الى ١٨ أكتوبر ١٩٤٨ مع ملاحظات كتبت ١٩٩٨ يضعها الاستاذ بين الوثائق ليضع رؤيته و تلعيقه حول ما حدث من منظور ما عرفنا من الوثائق و ما حدث في الميدان بعد ذلك. 

٤- القسم الاخير من الكتاب عبارة عن شهادات لثلاث ممن كانوا في الواجهه و في القلب من الاحداث خلال حرب فلسطين ووجد الاستاذ في حينه اهمية تسجيل شهادة كل منهم عن المأساه العربية الكبرى وهم: الشيخ امين الحسيني مفتي فلسطين ، عبدالرحمن عزام باشا اول امين عام للجامعة العربية ، و اللواء احمد محمد علي المواوي القاذد العام للقوات المصرية في فلسطين.  

يحمل الكتاب بين دفتيه الكثير مما ادرك ان كثيرين و ربما الاغلبية الكاسحة من الشارع العربي يجهله و هنا تكمن الاهمية الكبرى لهذا الكتاب و الوِثائق المهمة الموجوده بين دفتيه ـ من وجهة نظري ـ في تحرير العقل العربي من اوهام عظمة و قوة الجيش الاسرائيلي و وضع المجهر علي الوضع العربي البائس الذي ولد تلك النتيجة البائسة في حرب فلسطين و اقل ما يقال في هذا الصدد ان اهم بلد و اقوي بلد عربي و هو مصر كان حتي تلك اللحظة تحت الاستعمار الانجليزي و كانت حسابات الداخل و معاهدة ١٩٣٦ و معسكرات الانجليز في منطقة القناة تغطي على اذهان صانع القرار المصري ، اما اقوى الجيوش العربية و اكثرها تدريبا و تسليحا في حينه و هو الجيش العربي الاردني فقد كان تحت قيادة بريطانية علي رأسها جنرال انجليزي هو جلوب باشا الذي كان قد تلقى انذار من القيادة السياسية بالخطوط الحمراء التي لا يحق لجيشه ان يتجاوزها و هي اتفاقات لم يكن يعرف بها احد اخر في الجيوش العربية و تلك كانت ماسأة بحد ذاتها.  

هناك الكثير مما يمكن ان يقال حول الوضع العربي المأسوي التي ولد تلك النتيجة و لكن الحقيقة ان بعض الجيوش العربية قاتلت و قاتلت ببسالة رغم غياب تجربتها في ميادين القتال و ضعف عدتها و عدادها بالمقارنة مع الهجاناه التي دخلت مع الحلفاء في معارك الحرب العالمية الثانية و كتسبت خبرة كانت منعدمة مع الجانب الاخر كما كانت متقدمة في جانب التسليح و العدد فمقابل كل جندي مصر كان هناك ٣ جنود يهود و تضاعف العدد بعد الهدنة ليصبح الجيش الاسرائيلي ضعف الجيوش العربية مجتمعة. بالطبع ليس هذه تبرير لما حدث و لكنه عرض لبعض الحقائق و لانصاف الجميع و تسليط الضوء على الاسباب الحقيقية وراء ما حدث. اكتفي بما سبق مناشدا كل من يقرا ما اكتبه هنا قراءة هذه الكتاب المهم الذي لا اسف لم يتكرر في المكتبة العربية. 

الكتاب بين يدي هي الطبعة الثامنة  ٢٠٠٧ و منشوره عن دار الشروق و تقع ٤٥٨ صفحة ، الطبعة الاولى نشرت عام ١٩٩٨م.  
تقيمي الشخصي : انصحكم بقراءته بشدة  

مر ١١٣ ايام و ٢٢  كتابا ، القادم هو رواية عائد الى حيفا للكاتب الفلسطيني الكبير غسان كنفاني.  
ملاحظة : الاخطاء الاملائية الواردة سببها عدم وجود مصصح في البرنامج الذي استخدمه للكتابه و لذلك اطلب العذر مسبقا

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قراءة للمجموعة القصصية أكابر لميخائيل نعيمة

قراءة لرواية خان الخليلي لنجيب محفوظ

قراءة لمسرحية "السلطان الحائر" لتوفيق الحكيم