الرواية الفائزة بالبوكر العربي 2016 : المأساه الفلسطينية في رواية ربعي المدهون “ مصائر : كونشرتو الهولوكوست و النكبة “ ( قراءة نقدية )
هذه هي ثالث الروايات التي اقرائها من الروايات التي رشحت لنيل جائزة البوكر للعام ٢٠١٥. الرواية للكاتب الفلسطيني المغترب ربعي المدهون. تحاول الرواية دراسة المعاناة الفلسطينية بعد نكبة عام ١٩٤٨ سواء لولائك الذين بقوا هناك و اصبحوا غرباء في بلادهم ام هؤلاء الذين هاجروا عنها و بقوا بعيدين يحلمون بالعودة و معاناة من عاد و اصبح اسير وزارة الداخلية الاسرائلية يستجدي تجديد اقامته في بلده كل ثلاث اشهر. الرواية كتبت ـ كما يوضح الكاتب في بداية النص ـ على شكل كنشرتو موسيقية من اربع حركات كل حركة لها ابطالها الذين يلعبون ادوار ثانوية في الحركات الاخرى ثم يلتقون جميعا في الحركة الاخيرة الخاتمة. الرواية لا تتبع ترتيب زمينا معينا تتداخل فيها الازمان و الامكان. كتبت الرواية ايضا بآساليب مختلفة مره باسلوب الرواي الخارجي العالم و مرة بلسان ابطالها انفسهم او كرواية كتبت داخل الرواية.
تدور الحركة الاولى حول ايفانا اردكيان الفلسطنية الارمنية التي نشآت في عكا و احبت طبيب في جيش البريطاني ، تزوجته و انجبت منه بنت سمتها جولي . يضطر الزوجان الى الهروب الى لندن ابان حرب عام ١٩٤٨ و يستقران هناك. توصي ايفانا ـ بعد ستين عام من هجرتها ـ ابنتها و زوج ابنتها الفلسطني المغترب وليد دهمان في ليلة حميمة قبيل وفاتها ان يحرق جثمانها و يذرا جزء من رمادها في نهر التايم بلندن بينما يوضع النصف الاخر في قارورة زجاجية “ لها لون السماء “ و تنقل الى بيت والديها ـ اللذان تبرأ منها بعد هروبها ـ في ساحة عبود في حي عكا القديم “ خذوا بعضي او كل روحي الى عكا يعتذران لها حارة حارة ، خذوا ما تبقى مني و شيعوني حيث ولدت …. اريد ان ادفن هنا و ان ادفن هناك”. تمهد الوصية للحدث الرئيسي في الرواية و هو رحلة جولي وليد دهمان الى فلسطين ٤٨ لتنفيذ وصية ايفانا.
تنتقل الحركة الثانية الى جنين دهمان ابنت عم وليد ذات الجنسية الاسرائلية المتزوجة من فلسطيني عرفته خلال دراستها في امريكيا. تستقر جنين و باسم ـ زوجها ـ في يافا لتبدا معناتها مع وزارة الداخلية من استجدى لتمديد اقامة باسم كل ثلاثة اشهر و محوالته الحصول على تصريح للعمل كلها عوامل تهدد استقرار العائلة الجديدة و تنذر بمصير مشؤوم.
في الحركة الثالثة يقرا وليد دهمان اجزاء من مسودة رواية “ فلسطيني تيس” التي ترسلها له جنين لتقيمها. تدور الرواية حول ابيها محمود دهمان الملقب “ باقي هناك “ يتداخل ما يقرائه في الرواية في ما عرفة وليد شخصيا عن ـ قريبه - محمود دهمان من خلال حديث امه عنه في مخيم خان يونس. محمود دهمان شاب فلسطيني يرفض الهجرة مع عائلته من المجدل عسقلان الا انه يطر تحت الضغط العائلي فاثناء القصف و الدمار للركوب حافلة الهروب و الهجرة الى غزة. لكن ليعود بعدها بالايام الي المجدل تاركا زوجته و بنته غزة في غزة. تنقطع بعدها السبل بعد اغلاق الحدود ليستقر هناك فتدور حوله الكثير من الحكايا فيتهم اولا بالخيانة ثم مع مرور الزمن يصبح في عيون اهل المخيم الحزينة البطل المناظل الذي بقي مزروعا في ارضه.
تتداخل كل القصص في الحركة الرابعة و الاخيرة ، و تنتقل المشاهد بوليد دهمان و زوجته جولي بين احتمالين احدها الى حيفا و الاخر الى القدس كل من الخيارين له نتائجة و قصتة الخاصة. في هذه الحركة يصل الكاتب الى قمة الابداع خلال المشهد الذي يزور فيه وليد دهمان متحف الهولوكست في القدس المطل على اطلال قرية دير ياسين التي شهدت المذبحة الرهيبة في ٤٨ و غيرت مسار الحرب بالكامل بالنسبة للفلسطينين. في هذا المشهد ذو الرمزية العالية يتخيل وليد مسعود نفسه في زمن غير هذا الزمان تغيرت خلالها احوال فلسطين فيشهد من متحفه متحف اخر يأرخ للذاكرة و الماساة الفلسطنية يقع على اطلال قرية دير ياسين.
للمكان و الانسان حضور قوي في رواية ربعي المدهون ينقلنا خلال المدهون بين روائح البخور و التوابل و ملابس البائعات الفلاحات و ألوان الجدران السقوف في مدينة القدس و لون البحر و الشاطئ يداعب يافا و حيفا و عكا و حتى شوارع منتريال في كندا و جسور لندن في انجلترا. لغة الوصف شاعرية قمة في الروعة.
على ان السؤال الذي طرحته على نفسي و ان اقرا الرواية و بعد انتهائي منها هو هل نجح المدهون حقا في توصيف اكبر مسأساتين شهدتهما الانسانية للشعبين متجاورين تسببت الماساة التي اصابت احدهما في تسويغ ظلم الاخر : الهولوكست و النكبة . اعتقادي ان الاجابة لا فلا الرواية نجحت في معالجة الهولوكست و لا تمكنت من وضع المجهر على ماساة النكبة بل ركزت على مصائر من قرورا العودة الى فلسطين بعد هجرها سواء اكانوا شباب اردوا ان يآسسوا للحياة في بلاد ابائهم او عجوزين قادمين للتفيذ وصية او رماد في قارورة زجاجية صنعت لتشبه من يسكنها. اما اكبر ماخذي على الرواية فهو الاقحام لا مسوغ له للبعض الشخصيات التي تتوقع ان يكون لها تاثير او اي اهمية لتجدها تختفي دون ان تتحدث احيانا او تحدث اي تغير او يكون لها اي اهيمة في الاطار العام و او تقدم اي رسالة ذات معنى او اهمية و منها اذكر فاطمة العكاوية ، الجالسون على مائدة ايفانا ليلة وصيتها الذي لم يبين الكاتب لما وجدوا هناك و ما الذي اضافة الحديث عنهم و خصوصا التاريخ الشخصي ( الباك ستوري ) لبعضهم ، بالاضافة الى كاتب الرواية نفسه فقد ادخل نفسه فجأة في منتصف الراوية و تحول حديث الابطال عنه وهو امر و جدته مصطنع “برتنشيس” . اخيرا تفتقد الرواية للعاطفة الحقيقة رغم حساسية القضية و المأساه التي تعالجها الرواية الا ان الكاتب فشل في ايصال احساس و معاناة شخصياته لي .
اخيرا، يحسب الرواية الفكرة التي تحاول طرحها، طريقة العرض علي شكل مجموعة من الحركات الموسيقية و عدم اتباع الطريق التقليدي في سرد.
على كل حال الرواية جميلة ممتعه تستحق القراءة و تقيمي الشخصي : ٧/١٠
تقع الرواية في ٢٦٦ صفحة
تعليقات
إرسال تعليق