المشاركات

قراءة في رواية الوشم لعبدالرحمن الربيعي

صورة
  كعنوانها تمامًا، تحفر رواية الوشم شخوصها وحواراتها وعبثية أقدارها في قلب القارئ كجرح لا يندمل. كثيرون يتساءلون: لماذا نقرأ الرواية؟ ولماذا نُصرّ على الأدب في عالم لا يُنصف سوى السرعة والضجيج؟ ربما لأن الذين يسألون لم يقرؤوا نجيب محفوظ، أو توفيق الحكيم، أو غسان كنفاني، أو حنّا مينه… ولأنهم – منذ اليوم – لو قرأوا عبدالرحمن الربيعي لأدركوا أن الأدب ليس ترفًا بل ضرورة للعيش، وفهم الذات، ورؤية الخراب قبل وقوعه . أعادتني الوشم إلى تلك اللحظات الثقيلة التي تلت انهيار أحلام الربيع العربي، إلى الفراغ والخيبة والحزن الذي اعترى جيلًا حلم بالتغيير، فوجد نفسه في المعتقلات والمؤامرات والحروب. إنها مرثيّة حقيقية لجيلٍ صعد إلى قمة الأمل، قبل أن يُلقى به في قاع المأساة. إنها أيضًا رواية عن اغتراب المثقف حين يموت الحلم، وعن تلك الهوّة التي تفصل بين ما تمنّيناه وما وجدناه. تحكي الرواية سيرة كريم الناصري، الناشط الحزبي الذي يخرج من سجون ما بعد ثورة 1957 ليجد نفسه غريبًا في وطنه، منفيًّا داخله، منسحقًا تحت تتابع الانقلابات وضياع المبادئ وتحول الأصدقاء. يعيش كريم في عالمٍ لم يعد يعترف به، ولا بوعيه، و...

قراءة في رواية لا أحد ينام في الإسكندرية لإبراهيم عبدالمجيد

صورة
  لا يحتاج القارئ إلا إلى إتمام بضع صفحات من رواية إبراهيم عبدالمجيد ليدرك أنه أمام عمل أدبي عظيم استحق مكانه في قائمة أفضل مائة رواية عربية. فمن افتتاحيته الرائعة التي يصوّر فيها قرار هتلر غزو بولندا في مشهد درامي جميل، يكون بطله هتلر نفسه، الى انتقاليته السلسلة إلى قرية في صعيد مصر حيث يعيش أبطال الرواية ، أناس بسطاء يواجهون أزماتهم الخاصة، غير مدركين كيف أن قرارًا يُتخذ في قصر ٍعلى أحد الجبال الألمانية سيعصف بحياتهم ومصائرهم إلى الأبد. تحكي الرواية قصة مجد الدين، شاب مصري فلاح من إحدى القرى، تحمله الأقدار هو وعائلته الصغيرة إلى الهجرة نحو الإسكندرية بسبب ثأر قديم يُتهم فيه ظلمًا. يصل مجد الدين إلى المدينة في الليلة نفسها التي تندلع فيها شرارة الحرب العالمية الثانية، وهناك يعيش مع عائلته محنة الحرب ، لتتحول الإسكندرية ـ تلك المدينة التي سيتعلق بها لاحقًا ـ إلى محور للنار والجحيم، ساحة تتصارع فيها القوى الكبرى على أرض البسطاء الذين يستغلهم الجميع، المهاجمون والمدافعون على حد سواء . بعد وصوله المدينة ينغمس مجد الدين بين الناس البسطاء في رحلة طويلة من الشقاء والفقر، ويتعرّف إل...

قراءة في الحروب الصليبية كما رآها العرب لأمين معلوف

صورة
يقول أحد الفلاسفة إن التاريخ إذا أعاد نفسه كان في المرّة الأولى مأساة، وفي الثانية مهزلة.   ومن يقرأ الحروب الصليبية من منظور عربي يدرك أننا نعيش اليوم إعادة المؤامرة نفسها، لكن في نسخة أكثر سخرية؛ فكما استطاعت جيوش قليلة العدد السيطرة على المشرق لقرنين كاملين، تسيطر اليوم قوى صغيرة على حاضر ومستقبل أمّة يفوق تعدادها الخمسمائة مليون، في مشهد يُجسّد عجزًا تاريخيًا لم نتجاوز ظلاله بعد .   ي هدف معلوف إلى تفكيك الخطاب الغربي الرومانسي الذي صوّر الحملات الصليبية على أنها حرب مقدسة قادها فرسان نبلاء لتحقيق “المعجزة الإلهية”. وما على المرء إلا أن يزور متحفًا أوروبيًا ليرى الكم الهائل من اللوحات والمنحوتات التي تمجّد هذه المرحلة بشاعرية تقترب من القداسة. على النقيض، يستعيد معلوف المشهد كما رآه العرب: سلسلة من المجازر الوحشية التي بدأت في نيقية وأنطاكية مرورًا بالمعرّة، التي بلغ فيها القتل حدًّا دفع المؤرخين الغربيين أنفسهم للاعتراف بأكل الناس لحم بعضهم من شدة الجوع، وصولًا إلى القدس حيث ذُبح أكثر من سبعين ألفًا. وفي الجهة المقابلة، يسجّل التاريخ صورة مغايرة تمامًا لطريقة العرب في است...

قراءة في رواية "نداء البراري" لجاك لندن

صورة
  منذ مشاهدتي للمسلسل الوثائقي الرائع "الغرب" للمخرج الأمريكي الشهير كين بيرنز، الذي تناول الاستعمار الأمريكي للغرب المجهول، وقصص حمى الذهب والجلود، وحكايات الطمع والسطوة والاستعلاء وصراع الإنسان مع الطبيعة، ظلّ موضوع "روّاد الحدود" من أكثر الموضوعات التي أثارت اهتمامي وفضولي حول الطبيعة الإنسانية. لذلك، كان من الطبيعي أن تزداد جاذبية رواية نداء البراري في نظري، بوصفها إحدى كلاسيكيات الأدب الأمريكي التي تناولت هذه الروح المبكرة للإنسان في مواجهة البرية. تحكي الرواية قصة الكلب المنزلي "باك" ، الذي يُختطف من حياة الدعة والراحة في مزرعة أحد القضاة في كاليفورنيا ، ليُقاد إلى الشمال الكندي القارس خلال نهاية القرن التاسع عشر، في زمن حمى الذهب التي اجتاحت المنطقة وضاعفت الحاجة إلى الكلاب القوية لجرّ العربات وسط الجليد. ينتقل باك من سيدٍ إلى آخر، ومن عملٍ إلى آخر: من موظفي البريد المحترفين إلى مجموعة من الهواة الطامعين في الثراء السريع. وفي هذه الرحلة القاسية، يتحول باك من كلب مدلّل إلى قائدٍ متوحّش لا يتورّع عن القتل في سبيل البقاء والسيطرة. من خلال هذه الح...

قراءة لرواية قنديل ام هاشم ليحيى حقي

صورة
  هناك كتبٌ أدبيةٌ تشعر معها أنك تعيش الصراعات النفسية ذاتها التي تعيشها شخصياتها، فتجد نفسك تتحرك مع أبطالها، وتتماهى مع أحداثها، وكأنها ترسم ملامح حياتك أنت. وهذه الرواية القصيرة كانت كذلك؛ إذ وجدتني أتوحّد مع بطَلِها الذي خاض الصراع نفسه الذي عشته بعد العودة من رحلة الدراسة: ذلك الصراع بين الحداثة والأصالة، بين الماضي الذي يسكنك والمستقبل الذي يناديك.   والعجيب أن هذه الرواية منحتني الشعور وكأنني أجلس على كرسي الطبيب النفسي، لا على مقعد القارئ؛ أسترجع ماضيّ بكل ثِقله وأسئلته، وأعيد تفكيك هويتي ودوافعي، كأن الراوي يطلب مني أن أواجه نفسي، لا أن أتابع حكاية شخص آخر. كانت الرواية، في لحظات كثيرة، أقرب إلى جلسة اعتراف داخلي، أبحث فيها عن إجاباتٍ لأسئلةٍ كنت أظنها مطموسة تحت طبقاتٍ من التجربة والزمن. أما على المستوى العام، فليس من المبالغة القول إن هذه الرواية تُعدّ من أقدم – وربما أروع – ما تناول الصراع بين الأصالة والحداثة في المشرق. إنها، بلا شك، تقف جنبًا إلى جنب مع أعظم الأعمال التي عالجت الفكرة ذاتها، مثل أولاد حارتنا وموسم الهجرة إلى الشمال. تحكي الرواية قصة شاب مصري...

قراءة لرواية مدرّس ظفار للكاتب البحريني خالد البسام

صورة
لعلي لا أستبق حديثي عن رواية  مدرّس ظفار ، إذا قلت أنها من الأعمال التي تقع في فخّ العنوان والموضوع المثير، خصوصًا للقارئ العُماني المتشوّق للقراءة عن ثورة ظفار؛ تلك الثورة المهمَّشة في ذاكرة التاريخ العربي رغم أثرها العميق في التغيّرات السياسية في الخليج، ولا سيّما في عُمان والإمارات. فقد كانت تلك الثورة المطرقة التي نبهت القوى الاستعمارية إلى ضرورة التغيير، ومهّدت لمرحلة الرفاه التي تعيشها هذه الدول اليوم. الامر الذي جعل الخيبة مضاعفة من التناول السطحي لهذه الثورة. يزيد من وطأة تلك الخيبة المقارنةُ — غير العادلة بطبيعة الحال — مع رواية  وردة  لصنع الله إبراهيم، التي تناولت الموضوع نفسه بلغة أكثر عمقًا وشخصيات متقنة الصياغة تبقى حيّة في الذاكرة، بينما تتلاشى شخصيات  مدرّس ظفار  سريعًا بعد الانتهاء منها. تحكي الرواية عن خيبات وتناقضات اليساريين في الخليج وظفار، بين الشعارات البراقة حول "حرية الشعوب" و"محاربة الرجعية" و"تحرير المرأة"، وبين الواقع الحقيقي المليء بالجهل والهزيمة والخيانة وهيمنة القبيلة، إلى جانب واقع المرأة المحكوم بالطبيعة الدينية والقبلية. ...

قراءة لكتاب المثقفون في الحضارة العربية – محنة ابن حنبل ونكبة ابن رشد لمحمد عابد الجابري

صورة
  يقدّم المفكر المغربي الكبير في بحثه الرائع دراسة عن العلاقة بين المثقف في الحضارة العربية والسياسة والسلطة – ممثّلة في الحاكم – وهي العلاقة الشائكة التي ما تزال تشكّل المشهد الثقافي العربي المعاصر، متخذًا من محنة ابن حنبل في قضية خلق القرآن ونكبة ابن رشد في قضية شرح كتاب  الحيوان  لأرسطو مجالًا لاستعراض هذه العلاقة وتحليلها . يبدأ الجابري في كتابه رحلة البحث عن المثقفين في الحضارة الإسلامية، ويبدأ بالبحث في مفهوم المثقف الذي يعتبر تصنيفًا دخيلاً على الثقافة العربية وقادمًا من أوروبا، ثم يتتبّع مفهوم المثقف من خلال دراسة النهضة الأوروبية، وينتهي به البحث إلى أن بداية تشكّل المثقف – أو المفكر الأوروبي – كانت في القرن الثاني عشر الميلادي عند بدء الاتصال بين الثقافة العربية (الإسلامية)-اليونانية التي تشكّلت في المدن العربية الكبرى مع المدن اللاتينية والغرب في أوروبا، إما بسبب التجارة أو الحروب والغزوات. وقد تشكّل الفكر الأوروبي في بعض تلك المدن كردة فعل على هذه الحضارة التي حكمت نصف المعمورة – وهو الأمر ذاته الذي وقع في بداية ما يُعرف بـعصر النهضة العربية...